بسم الله الرحمان الرحيم
وصل الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .أما بعد ،الجواب على السؤال فلسفيا .
ماهي الأمراض الروحية ؟
الأمراض الروحية بغض النظر عن مكوناتها وأسبابها ، هي من بين الأدوات الربانية الكثيرة والمتنوعة للتهذيب والتثقيف والتربية الربانية التي يريد الله تعالى ان يمن بها على من يحبهم ويريد اصطفائهم من عباده ،لكن إذا فقهوا رسائلها وصبروا للوصول إلى ثمرتها .
**اول رسالة يريدك الله أن تتيقن منها ،هي أنه لا ملجأ لك في هذا المرض وهذه الإصابة من الله الا إليه
ويكون ذلك عقيدة وفعلا وليس لسانا وإدعاءا فقط .
يريدك الله أن تتيقن أن الشفاء عنده وحده لا شريك معه فيه ، وأنه لو اجتمع أطباء ورقاة العالم بأسره لن يستطيعوا أن يقدموا أو يأخروا في مرضك شيء ،اذا لم يشأ الله لك الشفاء لحكمة يعلمها ، هذه قضية جزمية يريدك الله تعالى ان تتيقنها بقلبك ويظهر عليك في الواقع التصرف بها، ولا تقولها بلسانك فقط ، كيف وقد ساعدك على إدراك ذلك عندما قال( وإذا مرضت فهو يشفين) وهذا كله لايمنع من الأخذ بالاسباب الشرعية الموصلة لشفاء ، بل أن ذلك واجب في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، تداووا عباد الله فإنه ما أنزل الله من داء الا وانزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله، أو كما قال .
وفي المقابل اعطاك كذلك مرادف للاعتقاد السابق إذا تيقنت به سترتاح ،وهو أن هذا المرض الروحي لن يضرك الا إذا اراده الله أن يضرك
حتى ولو سُحرت من سحرة العالم أجمع سيأثر فيك فقط ما يريده الله أن يؤثر فيك ،واذا كان البلاء يؤثر بإذن الله ،فمعناه أن الله يقصدك بالبلاء
وهنا لفة جميلة تسبب في حلاوة البلاء النازل على العبد ،عندما يحس أن الله يَعْنِيه بهذه الإصابة وينظر له كيف سيكون صبره على ذلك البلاء و هل سيرضى أم سيجزع
والمشكلة أن البلاء يسري على كل حال كان هذا العبد راضيا أو ساخطا
ولذلك ليس أمام العبد الا الرضى ،لكي لا يتألم مرتين ،مرة عند البلاء، ومرة عند سخط الله و حرمانه الاجر.
** ثاني شيء يريد الله تعالى ان يراه منك في هذا المرض هو أن تكون فقهت تماما بدون شك أو ريب
أن ما جاء في القرآن من الآيات التي توضح سبب خلق هذا الإنسان على الأرض ، هي حقيقة جزمية لامفر منها،و حتى ولو نزلت هذه الحقيقة على الانسان، على هيئة السراء فقط،فهي حقيقة لا مفر منها ابدا ،فماهي هذه الحقيقة ؟؟
إنها حقيقة الابتلاء والامتحان والاختبار ،التي يتغنى بها الكثير ولا يثبت، و يرضى وقتها إلا القليل ، يقول الله تعالى. (إن خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا )
ويقول( الم احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا امنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) إذا !!
من حسب أن الله لن يمتحنه فحسبانه باطل
بل كن على يقين أن الله يمكن أن يختبرك في الشيء الذي تخاف أن تُختبر فيه، أو الشيء الذي تقول انك لن تخسر الامتحان فيه . بل سيختبرك الله ليخرج ما في اضغانك واعماقك قال تعالى( ام حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله اضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول )
فهناك كثير من الناس عند ابتلائهم يصابون بالإستغراب لماذا نزل بهم البلاء ؟؟ لأنهم يظنوا أن حقهم أن يعيشوا بدون بلاء
وهذا دليل على أنهم يعتقدون أنهم خلقوا في هذه الدنيا ليكونوا كأنهم في الجنة !! وهذا هو الحسبان الباطل والظن بالله الذي ليس في محله ،و الذي ينتظره صاحبه ان يتحقق وهو لن يتحقق ، فلابد من الابتلاء حتى في الدعاء ومن لا يعرف ذلك ، يظن أن الله لابد ان يستجيب له في كل دعاء يدعوه فيه ويعطيه ما طلب في الحين ، والحقيقة هو الذي لم يريد أن يفهم طبيعة ماهو فيه من امتحان دنيوي ،فالله يستجيب لعباده بدون شك ،ولكن قد تأتي الاستجابة بشكل اخر ولم تظهر للعبد وهذا زيادة في البلاء و إمتحانه في يقينه.
قلت ،فكيف إذا كان ربنا أخبرنا عن ذلك في كتابه ؟؟
ومن اشهر الآيات الواضحات في ذلك ،و التي أجزم أن الكثير يظن أنها غير موجودة في القران عند المصيبة .وهي قوله تعالى (ولنبونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين اذا إصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإن إليه راجعون) هذه ينساها المصاب بسبب هول مصيبته ولا يذكرها في حين المصيبة إلا من يظن أنه كله لله، وانه إليه سيرجع.
إذًا ،ما يريده الله منك أن تكون عليه وقت نزول البلاء، هو أن تعلم انك انت لله وكل شيء عندك هو ملك له، والملك يتصرف في ملكه كيف يشاء ، ولا شك أن الملك العادل، والعليم، والقادر، والرحيم، لن يفعل الإ ما سيرضي عبده المطيع ،ولذلك ثق أن سيدك الذي يملكك والذي اوجدك من العدم ويعلم خبايا تكوينك و مصلحتك التي تُحجب عنك بسبب عدم إحاطتك بذلك علما ،سيرضيك ،عندما يرى أن الوقت الذي عشته مستسلما له وراضيا بقدره
كافي بأن ينهي امتحانك ويعطيك ما تريد من جوائز تستحقها في الدنيا قبل الآخرة ،
وإقرأ إن شئت (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بأيتنا يوقنون ) وقوله (فلما اسلما وتله للجبين ناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا وفديناه بذبح عظيم )، فما جاء الفداء ، إلا عندما ظهر الاستسلام،فاستسلم لله، فإن الذي ارجع موسى لأمه، قادر أن يرجع لك ما فقدته
واستعن بسؤال الله أن يربط على قلبك ،ريثما يعود المفقود .